مسامرة الخلاّن في أحلاف تنوخ والعتق وغسّان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقل القلقشندي عن الجوهري قوله ( أن القبائل هي بنو أب واحد ) ، كما نقل عن بن حزم قوله ( جميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد سوى ثلاث قبائل وهي تنوخ والعتق وغسان فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون ) انتهى كلامه من الجمهرة ، وقد نقله القلقشندي في نهاية الأرب .
وقد تحدث أحد الأخوة من المهتمين بعلم الأنساب عن هذا النقل في أحد المجالس ، فظن أن ابن حزم ينكر الأحلاف بين القبائل ، وأنه يرى أن كل قبيلة هي من نسل رجل واحد عن بكرة أبيها .


ولا شك أن هذا الظن غير صحيح البتة ، بدليل أن ابن حزم نفسه يذكر في كتابه الجمهرة أحلاف بين القبائل غير هذه القبائل الثلاث المذكورة سابقا ، فلما تحدث عن ذرية الأخوة أسلم ومالك وملكان أبناء أفصى بن عامر بن قمعة بن إلياس بن مضر ، قال وهؤلاء الثلاثة ممن تخزّع ، يعني دخلوا في قبيلة خزاعة ، مع أنه لم يذكر خزاعة من ضمن القبائل الثلاثة ( تنوخ والعتق وغسان ) .
ولما تحدث عن بني وادعة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ( وهم أبناء عمومة للأوس والخزرج ) قال عنهم دخلوا في همدان ، مع أنه لم يذكر همدان من ضمن القبائل الثلاث ( تنوخ والعتق وغسان ) ، وغير ذلك كثير في كتابه .
ولكن الواضح أن ابن حزم يقصد أن الأصل في القبيلة أنهم أبناء رجل واحد ولايضر في ذلك أن بعض أفخاذ هذه القبيلة جاءت من قبائل أخرى ودخلت في هذه القبيلة بالحلف ، فعلى ذلك مازال أغلب هذه القبيلة وجمهورها أبناء رجل واحد ، والعبرة بالأغلب ، وليس العبرة بالقليل بل بالأكثر ، وهم الأصل والحلفاء طارئين على القبيلة فيما بعد ، خصوصا إذا تذكرنا أمرا هاما ، وهو أن ابن حزم رحمه الله توفي في أواسط القرن الخامس الهجري ، وهو من أهل الأندلس ، فإذا تكلم عن قبائل العرب في جزيرة العرب وغيرها من الديار البعيدة عنه فالغالب أنه سينقل ممن يسبقه في الزمن فهو يتكلم عن وضع القبائل في القرن الرابع أو الثالث ، ولا شك أن القبائل في تلك الأزمان كانت قليلة الأحلاف مقارنة بهذه الأزمان ، وهذا أمر منطقي .
أما عن استثناءه لهذه القبائل الثلاث ( تنوخ والعتق وغسان ) فالأمر فيها يختلف تماما ، فقد وضح ابن حزم أن كل قبيلة من هذه القبائل الثلاث مجتمعة من عدة بطون ، أي ليست من أصل واحد ودخل فيها أحلاف ، بل هي عبارة عن بطون وأفخاذ من قبائل شتى اجتمعت فتكونت كل قبيلة من هذه القبائل الثلاث ، وإن كان المشهور في هذه القبائل الثلاث أن أغلب بطونها وأفخاذها من أصل قحطاني ، أي أن الأفخاذ القحطانية الأصل فيها أكثر من العدنانية فيها ، والله أعلم
قبيلة تنوخ تحدث عنها ابن حزم فقال :

( فتنوخ على ثلاثة أبطن : بطن اسمه فهم ، وهم بنو فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، وبطن اسمه نزار ، وهم لوث (يبدو أنه يقصد خليط ) ، ليس نزار لهم بوالد ولا أم ، ولكنهم من بطون قضاعة كلها ، ومن بني العجلان بن الثعلب ومن بني تيم الله بن أسد بن وبرة (السابق ذكرهم ) ، ومن غيرهم ، وبطن ثالث يقال له الأحلاف ، وهم من جميع قبائل العرب كلها ، من كندة ، ولخم ، وجذام ، وعبدالقيس ) انتهى كلامه من كتابه جمهرة أنساب العرب .
وقال في موضع أخر من نفس كتابه ( وسموا تنوخا لأن التنوخ الأقامة ، فتحالفوا على الأقامة بموضعهم بالشام ، وهم من بطون شتى ) انتهى كلامه .
وقال عنهم القلقشندي في كتابه نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب :

( تنوخ بفتح التاء وضم النون ثم خاء معجمة ، قال الجوهري : ولا تشد النون ، قال : وهم حي من اليمن يعني من القحطانية ولم يزد على ذلك ، وذكر المؤيد صاحب حماة في تاريخه : أنهم من قضاعة ، وقال أبو عبيد : هم ثلاثة أبطن نزار ، والأحلاف ، وفهم ، سموا بذلك لأنهم حلفوا على المقام بمكان بالشام ، والتتنخ المقام ، قال : وإنهم تتنخوا على ملك بن نهير بن عمرو بن فهيم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان ، وعلى مالك بن فهم عم مالك بن نصر ، قال بن سعيد : ومن الناس من يطلق تنوخ على الضجاعمة ودوس الذين تتنخوا بالبحرين ، وقد ذكر الحمداني : إن المعرة من بلاد الشام هي صليبة تنوخ بمعنى أن بها جمعهم المستكثر ، وقد تقدم في مقدمة الكتاب نقلا عن بن حزم عن تنوخ والعتق وغسان وأن كل واحدة منها مجتمعة من عدة بطون ) انتهى كلامه من كتابه نهاية الأرب .
وفي محاولة مني لجمع بعض البطون التي دخلت في حلف تنوخ ( والأستقصاء في ذلك صعب ) فقد جمعت مايلي من هذه البطون التي ذكرت كتب الأنساب أنها دخلت في تنوخ :

1 – بنو منبّه بن عبد شمس بن بن سعد بن زيد مناة بن تميم .ولا أدري من أي بطون تنوخ هم .

2- بنو السّائب بن عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم . ولا أدري من أي بطون تنوخ هم .

3- بنو ثعلبة بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبدالله
بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبدالله بن مالك بن نصر بن الأزد . (فهم من زهران الأزدية ) ولا أدري من أي بطون تنوخ هم .

4 – بنو فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، فهم من تغلب القضاعية ، وهم بطن فهم من تنوخ

5 – بعض بني تيم الله بن أسد وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة .( وهم من بطن نزار من تنوخ )

6- بعض بني العجلان بن الثعلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة .( وهم في بطن نزار من تنوخ )

7 – لفيف من قبائل العرب من كندة ولخم وجذام وعبدالقيس ومن غيرهم من قبائل العرب وهم بطن الأحلاف في تنوخ .
من تنوخ الحافظ أبو يعقوب إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الأنباري ، ولد بالأنبار سنة 164 ، ودرس على والده ، وعلى كبار علماء الحديث من أمثال سفيان بن عيينة ، ويحي بن سعيد القطان ، ووكيع بن الجراح ، وغيرهم كثير ، توفي سنة 252 بالأنبار ( أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي 12 ، 489 ) .

ومن تنوخ أيضا إبنه القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الأنباري الفقيه الحنفي ، ولد سنة 231 ، سمع من يعقوب الدورقي ومحمد بن المثنى وغيرهم ، ودرس على يديه المحدث الدارقطني ، توفي سنة 318 ( سير أعلام النبلاء للذهبي 14، 497

ومنها أيضا الشاعر الأديب المشهور أبو العلاء المعرّي ، وهو أحمد بن عبدالله بن سليمان أبو العلاء المعري اللغوي الشاعر ، وهو قضاعي النسب في الأصل ، من تغلب القضاعية ، ولد سنة 363 ، وتوفي سنة 449 ، ( أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي 18 ، 23 )

ومنها أيضا القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي البصري الأديب ، ولد بالبصرة سنة 327 ، إخباري شاعر وقاضي له كتاب ( الفرج بعد الشدة ) وكتاب ( النشوار ) وغيرها ، توفي سنة 384 ( أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي 16 ، 524 )

وهناك غيرهم من العلماء والأدباء الذين يرجعون لهذه القبيلة ، ولو لاحظت الى هؤلاء العلماء لوجدت أن كلهم بالعراق مما يؤكد أنها قبيلة أحلاف من بطون مختلفة جمعها مكان واحد أو أماكن متقاربة
أما العفتفق ( بضم العين والتاء ) ، فقد قال عنهم ابن حزم في كتابه ( جمهرة أنساب العرب ) :

( وأما العفتفق ، فهم من حجر حمير ، وهو حجر بن ذي رعين ، فخذ خامل !!! ، ومن سعد العشيرة ، ومن كنانة بن خزيمة بن مدركة ، ومنهم : زبيد بن الحارث العفتفقي من حجر حمير ، وهو مولى عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة المصري ، صاحب مالك بن أنس )

ثم قال : ( سموا العفتفق لأنهم اجتمعوا ليفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظفر بهم فأعتقهم ، وكانوا جماعة من بطون شتى ) انتهى كلام ابن حزم .

وقال القلقشندي في كتابه ( نهاية الأرب ) :

( العتق قال في العبر ، بطن من حجر حمير ، وهم بنو حجر بن ذي رعين ، ومن سعد العشيرة ، ومن كنانة من خزيمة )
ثم قال ( ومن العتق زبيد بن الحارث العفتفقي الصحابي من حجر حمير ، ومنهم بن القاسم صاحب الأمام مالك ، وهو عبد الرحمن بن القاسم ) انتهى كلام القلقشندي

فعلى ذلك يعتبر العفتفق جمع من ثلاثة بطون :

1 – بنو حجر بن ذي رعين من حمير .

2 – بطن من سعد العشيرة بن مذحج ، من كهلان .

3 – بطن من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر .

هذه البطون المشهورة التي كونت حلف العفتفق ، وربما هناك غيرها ، ولا يستبعد أن يكون هناك غيرها ، وأن تكون هذه هي البطون التي كونت وأسست هذا التحالف .
وأما ما يتعلق بغسّان :

حلف ( غسّان ) يختلف نوعاً ما عن ( تنوخ ) و ( العفتفق ) فهو أقل منهم أحلافاً ، إذ الأغلبية العظمى في ( غسّان ) أفخاذ وبطون أزدية ( من الأزد ) أبناء عمومة لبعض تجمّعت عند ماء ( غسّان ) فتكونت هذه القبيلة ، إلا أن فيها فخذين من ( قضاعة ) وعلى قول فيها بطن من ( مضر ) ، وعلى قول أخر لا يوجد فيها إلا أفخاذ أزدية وفخذين من قضاعة ، حتى أن بعض علماء الأنساب كالقلقشندي إعتبرهم من الأزد بسبب الأغلبية الكاثرة فيهم .
فقد قال عنهم القلقشندي : ( بنو غسّان حي من الأزد من القحطانية ، قال أبو عبيد : ” وهم بنو جفنة والحارث وهو محرق وثعلبة وهو العنقاء وحارثة ومالك وكعب وخارجة وعوف بن عمر مزيقياء ، قال سمّوا غسّاناً لماء اسمه غسّان بين زبيد وربع ، شربوا منه ، وذكر الحمداني : أن في البلقاء طائفة منهم وباليرموك الجم الغفير ، وبحمص منهم جماعة ) انتهى كلام القلقشندي من نهاية الأرب .

وقال عنهم ابن حزم : ( وأما غسّان فإنهم أيضاً طوائف نزلوا بماء يقال له غسّان فنسبوا إليه ) انتهى من كتاب الجمهرة .

وقال عنهم أيضاً ( وأما غسّان فإنهم من بني أب لا يدخل بعضهم في هذا النسب ويدخل فيهم من غيرهم ) ويبدو أنه يقصد بذلك أنهم أبناء عمومة في الغالب وقد يجمع أحلاف منهم أب واحد إلا أنه قد يدخل فيهم من غيرهم ( مثل باقي الأفخاذ غير الأزدية ) .

وإذا حاولنا معرفة البطون والأفخاذ التي دخلت في ( غسّان ) ، وكما ذكرنا أنها في الغالب والأصل بطون أزدية فإن الذي أستطعت أن أجمعه ما يلي :

1 – بنو عمرو بن مازن بن الأزد ، وبنوه هم : عدي ، وزيد الله ، ولوذان ، وامرؤ القيس ، والحارث ، وحارثة ، ومالك ، وثعلبة ، وسوادة ، والعوف ، والعاصي ، وخالد ، والوجيه ، كل هؤلاء بنو عمرو بن مازن بن الأزد ، وذريتهم في ( غسّان ) .

2 – بنو ربيعة بن امرىء القيس بن عمرو بن الأزد .
3 – بنو الحارث وجفنة ومالك وكعب أبناء عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ، وهم أبناء عمومة قريبين للأوس والخزرج ، قال عنهم بن حزم ( كلهم شربوا من ماء غسّان ) .

4 – بنو أفصى بن حارثة بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ، وعلى ذلك فهم قريبين أيضا للأوس والخزرج
وقيل بل الذين دخلوا في غسّان هم بنو أفصى بن عامر بن قمعة بن إلياس بن مضر وليس بنو أفصى بن حارثة كما سيأتي ذكره في رقم 8 .

5 – بنو عامر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء …..الى أخر السلسلة ، وهؤلاء من الخزرج دخلوا في غسّان .

6 – بنو عمه عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء …. الى أخر السلسلة ، وهؤلاء أيضا من الخزرج دخلوا في غسّان .

هذه هي البطون الأزدية الموجودة في غسّان ، إلا أن البطن المذكور عند رقم 4 مختلف فيه كما سيأتي ذكره عند رقم 8 .

أما البطون التي دخلت في ( غسّان ) وهي في الأصل لا ترجع الى الأزد فهناك :

7 – بنو عايد وعايدة أبناء حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ، أما بنو أخوهم ( تزيد ) فقد دخلوا في ( تنوخ ) كما سبق في الكلام عن ( تنوخ ) .

8 – بنو امرىء القيس وجهارة وعدي وعمرو والحريش وخطاب ولائذ وخثم وخثيم وسوادة أبناء أفصى بن عامر بن قمعة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
أما بنو أخوتهم أسلم ومالك وملكان أبناء أفصى بن عامر فقد دخلوا في ( خزاعة ) .

وهذا البطن الأخير مختلف فيه هل دخل في ( غسّان ) أم لا كما ذكرت عند رقم 4 .

هذا ما استطعت جمعه من البطون التي دخلت في ( غسّان ) وأستميحكم العذر إن فاتني شيء منها .

ومن غسّان الأمام المحدث ( الجيّاني ) وهو محدث الأندلس أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغسّاني الأندلسي الجيّاني ، صاحب كتاب ( تقييد المهمل ) ولد سنة 427 ، ودرس على أبي عمرو بن عبدالبر ، وأبو الوليد الباجي وغيرهم من علماء المالكية ، توفي سنة 498 . أنظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي 19 / 148 .
ومن يستعرض كتب التراجم يجد مجموعة من العلماء وطلاب العلم الغسّانيين في الأندلس بالذات .

وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى

أهم مراجع هذا البحث :

1 – جمهرة أنساب العرب ، لابن حزم .

2 – نهاية الأرب في أنساب العرب ، للقلقشندي .

3 – قلائد الجمان ، للقلقشندي .

4 – سير أعلام النبلاء ، للذهبي .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتبه : زكي بن سعد أبومعطي ( فتى بني زيد )

التعليقات على مسامرة الخلاّن في أحلاف تنوخ والعتق وغسّان مغلقة | الزيارات: 4٬772 views | التاريخ: 2007/03/18

التعليقات مغلقة.