ما ذكره الأسلاف عن قديم الأحلاف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد …. فمن المعروف أن الحلف أمر شائع بين القبائل منذ القدم ، وقد تناوله علماء التاريخ والأنساب ، سواء المتقدمين منهم كالكلبي وابن حزم والهجري وغيرهم ، أو المتأخرين منهم كالنويري والمقريزي والقلقشندي وغيرهم .

وفي هذا البحث سأتحدث عن ماهية الحلف ، أنواعه وصوره ، أسبابه ، كما سأذكر مجموعة من الأحلاف القديمة المدونة في بعض كتب الأنساب على وسأجمع ما أستطيع منها أما الأستقصاء في ذلك فهو صعب ومتعب .

– تعريف الحلف :

قال الجوهري في الصحاح : ( والحلف بالكسر : العهد يكون بين القوم ، وقد حالفه أي عاهده ، وتحالفوا أي تعاهدوا ) انتهى

كما قال الفيروزبادي في القاموس المحيط : ( والحلف بالكسر : العهد بين القوم والصداقة ، والصديق يحلف لصاحبه أن لا يغدر به ، والجمع أحلاف ) انتهى

وفي المعجم الوسيط : ( حالفه محالفة وحفلافاً : عاهده ، ويقال حالف بينهما : آخى ) وفي موضع آخر في المعجم : ( الحفلف المعاهدة على التعاضد والتساعد والأتفاق ، والجمع أحلاف )

وفي موضع آخر في المعجم : ( الحليف ، المتعاهد على التناصر ، والجمع أحلاف )

مع ملاحظة ماذكر في معاجم اللغة عن معنى الحلف نجد أن كلمة الحلف يدور معناها بين : المعاهدة والصداقة والنصرة والحماية والتعاضد والتساعد والأتفاق ، ومافي هذه المعاني

فنستطيع أن نقول بأن معنى الحفلف اللغوي تقريباً هو : التعاهد والأتفاق على التعاضد والتناصر والحماية . هذا في مصطلح أهل اللغة

أما معنى الحفلف في مصطلح المؤرخين والنسابين فليس هناك معنى محدد ، ولكن نستطيع أن نقول بأن الحلف هو : ( أنظمة وعهود اجتماعية وسياسية تجمع بين عشيرتين أو قبيلتين فأكثر يلتزمون فيها بينهم على التعاضد والتناصر والحماية ….وقد تزيد هذا العلاقة حتى يصبح المتحالفين قبيلة واحدة وكيان واحد ( أي ليس حلف مؤقت فقط ) ، كما سيتضح ذلك عند الكلام عن أنواع الحلف وصوره .

إلا أن التعريف السابق يتناسب مع القبائل المتحالفة مع بعض أكثر من تناسبها مع دخول فرد أو جماعة في قبيلة ، فأحياناً تتحالف قبائل فيما بينها للتناصر فيما بينهم بدون دخول أحدها في الأخر ، مثل تحالف أسد مع طيء ، وكذا أسد مع غطفان ، وتحالف قبائل الرباب مع بعضهم ، وأحيانا يدخل فرد أو عشيرة في قبيلة أكبر منها وتفعد منها ، تنتسب لها ، وتحارب معها ، وتتحمل العاقلة والدية معها ، وتدخل في جميع الأمور التي تنطبق على باقي القبيلة وكأنها جزء لا يتجزأ منها فهذه صورة أخرى من صور الحلف مختلفة عن الأولى ، وسيتضح ذلك عند الكلام عن أنواع وصور الأحلاف .

وعند الرجوع الى كتب المعاجم مرة أخرى نجد أن العرب كانوا يطلقون اسم ( الحليفان ) على بني أسد وطيء ، وكانوا يطلقون نفس الاسم أيضاً على أسد وفزارة ( أو غطفان ) ، ويطلقون مصطلح ( الأحلاف ) على ست بطون من قريش وهي : عبدالدار ، وكعب ، وجمح ، وسهم ، ومخزوم ، وعدي ، ولذلك قيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه ( أحلافي ) لأنه عدوي ( أنظر القاموس المحيط ) ، كما أطلق أيضا مصطلح ( الأحلاف ) على قوم من ثقيف …..وغيرهم أيضاً
 

وللحلف أنواع ، وأذكر منها :

1- حلف مؤقت :

الهدف منه هو النصرة والاحتماء والاستعانة لمصلحة مشتركة بين الحليفين ، كخوض حرب مثلاً أو غير ذلك ، فإذا انتهى الحدث انتهى الحلف بانتهاء الحدث ، وقد يتكرر ذلك عند تكرار هذا الحدث ( مثلاً قد يتكرر عند حصول أكثر من حرب لنفس القبائل المتحالفة ) ، فمعنى ذلك أن هذا النوع من الأحلاف إنما هو لغرض معيّن مؤقت وليس حلف كامل ، وحتى التاريخ القريب لجزيرة العرب شهد حروباً تحالفت فيها قبائل ضد قبائل أخرى .

2 – حلف كامل :

كأن تجتمع عدة قبائل وأفخاذ لا يجمعها جد واحد ، بل قد تجد بعضها قحطانية وبعضها عدنانية ، فتجتمع في اسم جديد وكيان جديد مؤلف من عدة قبائل مختلفة لا يجمعها جد واحد ، مثال ذلك قبائل تنوخ والعتق وغسان كلها قبائل قائمة على الأحلاف ، والغالب في هذه الأحلاف أن يكون سبب حلفها هو اجتماعها في مكان واحد ، بل قد تسمى على هذا المكان أو على صفته .

3 – حلف ثنائي :

حلف ثنائي بين فصيلين ، فالعرب تسمي طيء وأسد بالحليفين ، وأطلق هذا اللفظ على أسد وغطفان أو فزارة ، فيلاحظ في هذا الحلف أنه لم تدخل قبيلة تحت مسمى قبيلة أخرى ، وإنما أطلق لفظ يشمل القبيلتين بسبب التآزر بينهما .

ملاحظة : من الممكن أن يدخل هذا النوع في النوع الأول ، فربما كان حلف أسد وطيء حلف مؤقت ، وكذا أسد وغطفان ، فهذا وارد .

4 – دخول فخذ أو عشيرة أو فرد في قبيلة أخرى :

وهذا النوع هو الأكثر حصولاً من أنواع الأحلاف ، وفي هذا النوع يعتبر الفرع الذي دخل في القبيلة ( سواء كان هذا الفرع فخذ أو عشيرة أو أسرة أو شخص ) يعتبر بعد دخوله في الحلف جزء لا يتجزأ من القبيلة التي دخل فيها ، فيتسمى باسمها وينضوي تحت إمرتها ويحارب معها مثله مثل من ينتسب أصالة الى هذه القبيلة ، وقد يحصل بعد زمن أن يرجع هذا الفخذ أو العشيرة الى محاولة الأنتساب الى نسبه الأصلي لأسباب مختلفة .

أسباب الحلف :

الحلف ينشأ غالباً لأسباب سياسية كاختلاف التكوينات والقوى في المنطقة ، أو لأسباب اجتماعية كضعف القبيلة أو قلتها أو هجرة أغلبها من المنطقة أو لسبب جغرافي مثل الجوار ، فمن تلك الأسباب :

1 – عند قيام قبيلة أو عشيرة بحرب قبيلة أكبر منها أو ردّهم فإنهم قد يضطرون الى الاعتضاد والتقوّي بعشائر أخرى لمواجهة هذه الحرب ، وقد يستمر هذا الحلف وقد ينتهي بانتهاء الحدث ، وقد يحصل ذلك من الطرفين ، ومن الأمثلة على هذا السبب كحلف مؤقت ماحصل يوم الهذيل عنما أغار الهذيل بن هبيرة التغلبي على ضبّة والرّباب فأنجدهما بنو سعد بن زيد مناة بن تميم ، فقال سلامة بن جندل :
وتغلب إذ حربها لاقح ××××××× تشب وتسعر نيرانها

غداة أتاناصريخ الرباب ××××××× ولم يكف يصلح خذلانها
صريخ لضّبة يوم الهذيل××××××× وضبة تفردف نسوانها
تداركهم والضحى غدوةٌ ×××××× خناذيذ تفشعل أعطانها
بأسد من الففزر غفلب الرّقاب ×××××مصاليت لم يفخش إدهانها

وقد دعا عمرو بن معديكرب الزبيدي الى تجمع بطون مذحك لمواجهة بطون معد بن عدنان ، عندما قال :

وأودٌ ناصري وبنو زبيدف ×××××ومن بالخيف من حفَكَم بن سعدف

لعمرك لو تجرّد من مرادف ××××عرانينٌ على دهمف وجفردف

ومن عنسف مغامرةٌ طحونٌ××××مدربةٌ ومن علّة بن جلدف

ومن سعدف كتائب معلمات××××على ماكان من قربف وبعدف

ومن جنبف مجنّبةٌ ضروب×××××لهامف القوم بالأبطال تردي

وتجمع مذحجٌ فيرأسوني×××× لأبرأتف المناهل من معدف

المثالان السابقان ينطبقان على الأحلاف المؤقتة التي حصلت بسبب الاستعداد لحصول حرب ، وغير هذه الأمثلة كثير ، وقد يكون حلفي خندف وشبابة مثال على ذلك أيضاً فهي حلفان أسست بسبب توازن القوى وهي أحلاف مؤقتة لسبب معين .

2 – عند هزيمة قبيلة أو كيان قبلي في حرب أو حروب متوالية ، فقد تحصل هزيمة قاصمة تحمل هذه القبيلة المهزومة الى الرحيل فيبقى منهم بقيّة ضعيفة تحتاج الى الاحتماء والتقوّي فتضظر الى الدخول في قبيلة أكبر منها .

3 – قد يحصل الحلف لسبب جغرافي واقتصادي في آنف واحد ، وذلك عند نزول عدة عشائر أو أفخاذ على منطقة واحدة فتجمعهم المنطقة فيتكون كيان باسم جديد كما هو الحلف في أحلاف تنوخ وغسّان ، أنظر موضوع  مسامرة الخلان في أحلاف تنوخ والعتق وغسان

4 – قلة عدد العشيرة أو القبيلة في ظل تلك العصور القاسية التي تعتمد فيها القبائل على الحرب والسلب ، فلاشك أن قلة عددها سيجعلها تذوب في كيانات أخرى ، ويحصل هذا كثيراً بين أبناء العمومة القريبين ، فتجد الأخوة إذا اشتهر فيهم رجل قد ينسب إليه فيما بعد أبناء إخوته لشهرته ولقلة عدد ذرية إخوته كما هو الحال في البراجم من بني تميم ، وهم ذرية عمرو والظفليم وقيس وكفلفة وغالب أبناء حنظلة ( جد البطن ) بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، ذرية هؤلاء الخمسة كانوا قلّة ، فقال لهم رجل منهم وهو : حارثة بن عامر بن عمرو بن حنظلة ( أيتها القبائل التي ذهب عددها تعالوا فلنجتمع ، فنكن كبراجم كفي هذه ) ففعلوا فسفموا البراجم ، وهم مع بني عبدالله بن دارم بن مالك بن حنظلة .

5 – قد يحصل خلاف داخلي بين القبيلة الواحدة يفلجىء أغلب القبيلة الى طرد القسم الآخر من نفس القبيلة ، مما يجعلها تنتقل عن المكان وتحالف كيان آخر ، وهذا الخلاف قد يحصل لأسباب كثيرة ، إما لسبب دم أو مصاهرة لقبيلة أقل منهم ، أو امتهان بعضهم لمهنة أقل مما اعتادوا عليه ، أو شحناء أو غير ذلك .
كما أن القسمين قد يكونا متقاربين في العدد والقوة ، وقد يكونا غير متكافئين ، بل قد يحصل أن رجلاً واحداً فقط تغضب عليه قبيلته فيخرج منها لسبب من الأسباب السابقة أو غيرها فيدخل في قبيلة أخرى ، فيكون بذلك جداً لأسرة أو عشيرة ، وكتب الأوائل مليئة بأخبار الخلاف والتنازع بين أبناء العم كحرب البسوس ، وداحس والغبراء ويوم البفعاث وغيرها من الأخبار والأحداث .

6 – هجرة القبيلة أو العشيرة من مكان إلى مكان ونزولها في مكان تسيطر عليه قبيلة أخرى فيحصل بينهم التداخل والحلف .

7 – الجوار أيضاً قد يكون سبباً من أسباب التداخل والتحالف .

8 – كثرة المصاهرات بين قبيلتين ، وكتب النسب تذكر أحياناً من ينسب الى أمه أو أخواله من العرب .

9- وقد تدخل قبيلة أو عشيرة في قبيلة أخرى اتقاءً لسطوتها وإغارتها ، كأن تفغير قبيلة أو كيان قوي على مناطق تعيش فيها قبائل ضعيفة لا تستطيع مقاومتها فتنضوي تحت لوائها وتأتمر بإمرتها لكف ضررها عليهم ، ولا شك أن في هذا الأمر مصلحة للقبيلة القويّة لأن دخول هؤلاء وغيرهم في كيانهم سيكثر من عددهم وسيزيد من قوتهم

كتبه : زكي بن سعد أبومعطي  ( فتى بني زيد )

التعليقات على ما ذكره الأسلاف عن قديم الأحلاف مغلقة | الزيارات: 6٬090 views | التاريخ: 2007/02/06

التعليقات مغلقة.